حماية الحقوق والحريات في أحكام المحكمة الدستورية العليا : رسالة مقدمة إلى كلية الحقوق للحصول على درجة الدكتوراة /
عبدالحميد حسن محمد.
- ] القاهرة [ : ] جامعة القاهرة - كلية الحقوق [ 1999.
- 627 ص. ؛ 30 سم.
اطروحة ( دكتوراه ) - جامعة القاهرة. كلية الحقوق. قسم القانون العام.
لقد كان من حسن الطالع ونبل الاية ان ياتى هذا البحث فى موعده، محيطا بالواقع ومسايرا للوقائع والاحداث التى يموج بها المجتمع فى كل مناحى الحياة، وهذا ما يتبين عبر صفحات هذا البحث، اذ من السمات الواضحة فيه هو الربط بين الحدث السياسى القائم والواقع القانونى، وكانت عجلة التاريخ باحداثه ومخزونه من التراث الفكرى والاجتماعى والقانونى تفرض نفسها فى مجمل هذه الدراسه. ولقد كان من حسن الحظ كذلك ان تتعلق هذه الدراسة بقيمه هى من اعز القيم واغلاها على البشرية وبنى الانسان، الا وهى قيمة الحرية التى خلقنا عليها، فصارت لصيقة بالطبيعة الانسانية الى ان يرث الله الارض ومن عليها، وهذه الحرية الربانية التى كان من اللازم ان تمتد اليها يد الانسان المخلوق لكى يهذبها ويرشد مسارها لما فيه الخير للفرد والجماعة، فكانت تبعا لذلك الاعراف والتقاليد وصولا الى المواثيق والدساتير والقوانين الوضعية من اجل تحقيق هذه الغاية التى نستقى منها ما يروى حاجة هذه الدراسة وهى تبحث فى اطار الدستور والقانون قيمة هذه الحقوق والحريات وحمايتها وصولها من خلال قاض انسان اختصه المجتمع ليكون مؤتمنا ومظهرا وناصرا للحق والعدل التى اوصانا بهما الله سبحانه وتعالى وحملنا مسئولية تحقيقها. فلم يظفر مطلب انسانى على مدى تاريخ البشرية، بايمان الناس به، وتطلعهم الى نواله، وسعيهم المتصل الدوؤب لبلوغه، مثل مطلب الحرية والديمقراطية اللذين هما وجهان لعمله واحدة وبذات القدر لم تثير قضية انسانية جدلا حولها مثلما اختلف الراى وتعددت وجهات النظر، وتباينت زوايا الرؤى فى قضية الحرية والديمقراطية تعريفا ودلالة، ضبطا لحدودها او اطلاقها، ثم ما تستتبعه هذه الاجتهادات والنظريات من تاثير على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل ما اكثر ما تعرضت الحقيقة فى هذه القضية للالتفاف حولها وقصفها والعصف بها عند الاقتضاء. كذلك فان الحديث عن حقوق الانسان والحريات ليس نبت الحاضر، وليس كذلك من الوان الترف السياسى للعصر الحالى، بل هو حديث ممتد يتجاوز نطاق الفكر المعاصر وافاق المستقبل القريب، ذلك ان جذورة تمتد لتتصل بالماضى التليد والفكر البعيد لفترة قد تكون اسبق على الطفولة الاولى للبشرية حيث كانت مرحلة الخلق الاولى للانسان، حين كان بلا وعى او ادراك، وبلا قانون او انضباط، وبالتالى فانه يمكن القول ان الحرية، هى كالماء والهواء والشافى من كل داء، وهى الامل فى الحياة لانها هى بداية الحياة. ان الرقابةعلى ضمان هذه الحقوق والحريات وحسن ممارستها غير منقوصة، مع ادائها لدورها من اجل حماية الفرد من عنت او استبداد او افتئات السلطة على حقوق وحريات الافراد، انما تتعدد وتشمل انواعا من الرقابة السياسية يقوم بها السياسيون من مختلف سلطات الدولة التشريعية او التنفيذية، او تكون من نوع الرقابة التى تتمثل فى الراى العام ونضوجة وقوة تاثيرة فى مراقبة اعمال مواد الدستور ومضامينه،او تكون تلك الرقابة للصحافة او للاحزاب او لغير ذلك من المؤسسات التى حددها الدستور او تلك التى لاينظمها الدستور او القانون مثل ما قد تفرضها الافكار الشعبية او الثورية فى مقاومة الطغيان حين يساء او يغفل اعمال هذه الضمانات التى تكفل الممارسة الحقيقية لحقوق وحريات المواطن فى بلد نضجت فيه درجة الوعى الوطنى والسياسى والاجتماعى. وبالرغم من ذلك فان من اهم هذه الضمانات التى تحمى وتصون قلعة الحقوق والحريات هذه، هى ضمانه الرقابه القضائية لانها هى الموئل الحقيقى للوطن والمواطن، وهى دائما حامى الحقوق والحريات لما تتمتع به السلطة القضائية من استقلال وحيدة ونزاهة، وخبرة فنية وقانونية، مع افتراض ان يكون ذلك استقلالا حقيقيا فى ممارسة هذه السلطة بعيدا عن اى سلطات اخرى ودون وصاية منها، لذلك فان للقضاء الدور الاعظم والاسمى فى تدعيم وصون المبادئ السامية مثل المساواة وتكافؤ الفرص، وخضوع الحاكم والمحكوم للقانون وسيادته فى اطار دولة المؤسسات والمشروعية، اذ ان فى ذلك تكمن الضمانة الاكبر لتحقيق الانتصار المتجدد على الاستبداد والطغيان الذى يرتع ويسود حين يغيب القانون، وحين تعطل المساواة وينفرد الفرد او القلة بحكم الشعب - اى شعب - ولان هذه الرقابة هى التى تؤكد مبدا الفصل بين السلطات بمفهومه الواجب بما يتيح للمجتمع ان يعمل ويمارس اختصاصه من اجل خدمة اهدافه دونما افتئات سلطة على اخرى، او الحصول على سلطة او تسلط رغم انف الشعب. وان كان نطاق ما سبق يظل فى الظروف العادية غير الاستثنائية وفق ما اقرته الدساتير واقر به الفقه وتناولته التشريعات، الا ان تساؤلا يطرح نفسه عن ماهية ونطاق وضمانات هذه الحقوق والحريات فى ظل الظروف عير العادية والاستثنائية؟ وهل من الممكن السماح بتجاوز حدود التوازن المطلوب بين السلطة والحرية فى هذه الظروف ؟ وهل ترضى السلطة بسهولة عن تحقيق مثل هذا التوازن فى خضم هذا الصراع الازلى بين السلطة والحرية ؟ والاجابة على هذه التساؤلات تكمن فى ما انتهت اليه محصلة الاراء الفقهية وموقف التشريع والقضاء حيث نجد ان تحقيق التوازن بين ضرورات الصالح المشترك سواء اكان حقيقة ام وهما ومتطلبات الحرية وقدسيتها يخضع لموازين وحسابات دقيقة، خاصة فى مثل هذه الحالات التى تفرض فيها او تفتعل مثل هذه الازمات التى تبرر اتخاذ الاجراءات الاستثنائية التى قد تهدد فيهل هذه الحريات، وبالتالى فانة يتحتم فى مثل هذه الحالات من المشروعية اخرى الاستثنائية ان يكون اعمال هذه الممارسات والاجراءات لمواجهة مثل هذه الظروف خاضعا فعلا وقولا لسلطة التشريع التى تضع القواعد والاجراءات، ثم ايضا لسلطة الرقابة القضائية عليها، وهذا ما تحدد بوضوح فى الفقه والتشريع المصرى.
المحكمة الدستورية العليا
الرقابة الدستورية--مصر الحريات العامة--مصر المحاكم الدستورية--مصر الحقوق المدنية--مصر